في إمباكت أسوشيّتس، نؤمن بأهمية تشكيل المستقبل لا مجرد التكيّف معه . ومن هذا المنطلق، نسلط الضوء على كتاب "المؤسسة المتميزة" (Superagency) الصادر عام 2025 للمفكر رييد هوفمان والمحلل غريغ بيتو، والذي يقدم رؤية متفائلة وعملية للذكاء الاصطناعي بوصفه شريكًا استراتيجيًا في تعزيز قدرات الإنسان، وليس تهديدًا له. يرى المؤلفان أن الذكاء الاصطناعي قادر على إحداث تحوّل جوهري في قطاعات مثل التعليم، والرعاية الصحية، والحوكمة، وذلك من خلال زيادة إمكانات الأفراد وإتاحة فرص جديدة للنمو والتأثير.
رؤية متفائلة لمستقبل الذكاء الاصطناعي
التغلب على المخاوف السابقة
لطالما قوبلت التحولات التكنولوجية الكبرى—من المطبعة إلى الهاتف—بمخاوف حول انهيار الروابط الاجتماعية أو تراجع دور الإنسان. واليوم، يواجه الذكاء الاصطناعي مخاوف مشابهة بشأن فقدان الوظائف والخصوصية والاعتماد المفرط على الآلات.
لكن كتاب "المؤسسة المتميزة " يدعو إلى تفكير مختلف: ماذا لو كان الذكاء الاصطناعي هو أداتنا لتوسيع الذكاء البشري؟ تمامًا كما ضاعفت الثورة الصناعية القدرات الجسدية، فإن الذكاء الاصطناعي يمكنه تعزيز القدرات المعرفية واتخاذ القرار، من خلال أدوات مثل المعلمين الرقميين أو المستشارين الصحيين الذكيين المتاحين للجميع.
مسارات التمكين بالذكاء الاصطناعي
تتضمن الرحلة نحو "المؤسسة المتميزة" التعامل مع التعقيدات، لكن المكافآت التي ستحصل عليها تجعل الأمر يستحق العناء.
ديمقراطية الرعاية الصحية النفسية
يتناول الكتاب أزمة الصحة النفسية العالمية، ويقترح أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يجعل الدعم النفسي متاحًا وشخصيًا وشاملًا، تمامًا مثل خدمات البث الحديثة.
ووفقاً لدراسة نُشرت في JAMA Internal Medicine (2023) أظهرت أن الأطباء صنّفوا نصائح الذكاء الاصطناعي بأنها أكثر تعاطفًا وشمولية من البشر في 79% من الحالات. والهدف من ذلك ليس استبدال الأخصائيين النفسيين، بل توسيع نطاق الرعاية وتخفيف العبء عن المختصين.
الابتكار بدون قيود
يشبّه المؤلفان تطوّر الذكاء الاصطناعي بالسيارات في بدايات القرن الماضي: رغم الحوادث والمخاوف، فإن التجربة المستمرة أدت إلى تحسينات جذرية. وهذه الابتكارات غير المقيدة بالتصاريح المسبقة هي المفتاح لتطوّر الذكاء الاصطناعي.
حيث تجمع الأنظمة الحديثة بيانات الاستخدام لحظيًا، مما يسمح بتطوير سريع واستجابة فورية للتحديات الواقعية.
الحوكمة الذكية من خلال ضوابط مدروسة
رغم الدعوة للابتكار، يؤكد الكتاب على أهمية وجود "حواجز أمان" ذكية مثل: (تراخيص استخدام الذكاء الاصطناعي - توثيق مصدر البيانات للحد من التزييف - أنظمة تحقق من الهوية لتفادي الاحتيال)
هذه الضوابط تعزز الثقة وتفتح المجال لاعتماد واسع وآمن، كما في نموذج كوريا الجنوبية الذي دمج الذكاء الاصطناعي في تتبع جائحة كوفيد بشفافية تامة.
الذكاء الاصطناعي كوسيلة للملاحة فى عصر المعلومات
يشبه الكتاب الذكاء الاصطناعي بجهاز GPS—لكن بدلاً من توجيهنا جغرافيًا، يرشدنا في بيئة معلومات تتسم بالتعقيد. من تحويل الكتب إلى صوت لمن يتعسر عليه القراءة، إلى شرح وثائق قانونية للمهاجرين بلغتهم الأصلية، يثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على تخصيص المعرفة وتيسير الفهم.
ووفقاً لدراسة أظهرت أن استخدام المساعد الذكي في خدمة المتعاملين ساهم في رفع الإنتاجية بنسبة 14%، لاسيما بين الموظفين الجدد. فالذكاء الاصطناعي يصبح مرشدًا شخصيًا، متاحًا دائمًا، صبورًا، وقابلًا للتكيف.
الإرتقاء بمفهوم الديمقراطية
يتناول الكتاب مفهوم "الذكاء الاصطناعي السيادي"، حيث تسعى الدول إلى تطوير أنظمة ذكاء خاصة بها تحمي هويتها الثقافية وتخدم مصالحها الاستراتيجية، كما في استراتيجية سنغافورة الوطنية، أو استثمار فرنسا في أبطال الذكاء الاصطناعي المحليين.
كما يعرض نماذج مثل: (كوريا الجنوبية: توحيد 1,500 خدمة حكومية عبر بوابة رقمية تعمل بالذكاء الاصطناعي تُخطِر المواطنين تلقائيًا بحقوقهم) و(تايوان: منصة "Polis" لتحديد نقاط الاتفاق في النقاشات العامة، وتعزيز المشاركة المدنية).
تبني مبدأ المؤسسة المتميزة:
إن المؤسسة المتميزة ليست مجرد نظرية، بل رؤية مستقبلية قابلة للتطبيق. حيث يُظهر الكتاب كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن: يعزز ديمقراطية الرعاية والتعليم - ويُعزز المشاركة المجتمعية - ويُطلق العنان لقدرات الإنسان الكامنة على نطاق غير مسبوق
تمامًا كما أصبح الكتاب والسيارة والـ GPS من ضرورات الحياة بعد أن كانت مثيرة للشكوك، فإن الذكاء الاصطناعي—عند تطويره ضمن أطر حوكمة—سيكون أداة تمكين إنساني رائدة.
لماذا يُعد هذا الكتاب هاماً بالنسبة لك؟
لكل قائد، مستشار، أو صانع قرار، يوفر هذا الكتاب خريطة طريق لفهم الذكاء الاصطناعي وتوجيهه نحو أهداف استراتيجية. وبالنسبة للقراء في العالم العربي، يقدم منهجية ملهمة لبناء استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي تُراعي الهوية الثقافية، وتُعزز رفاه المجتمعات، وتُسهم في تحديث الخدمات العامة.
في إمباكت أسوشييتس، نفخر بتقديم الدعم للجهات الحكومية على تسخير هذه الأدوات المتقدمة لبناء مستقبل أكثر مرونة وابتكارًا.
